مشاركة المراهقة أفكارها ومشاعرها يكسبها الثقة، الشعور بالاطمنان والأمان مع تلك الأم الإيجابية الواعية للمخاطر المرحلية
نقلت إحدى المشتركات في دورة تربوية عن صديقتها تقول: "أوصتني صديقتي بالاستفسار عن موضوع ابنتها المراهقة التي شاهدت أشرطة جنس فاضحة. تابعت تقول: إن من هوايات زوج صديقتي (المحافظ) مشاهدة أفلام جنسية فاضحة في ساعات الليل المتأخرة. أثناء تنظيف الابنة المراهقة غبار دواليب ورفوف جهاز الفيديو علمت بوجودتلك الأشرطة. ما يقلق الأم هو تسلل المراهقة من غرفتها ليليًّا لتتسرّق مشاهدة بعض مناظر. سؤال الأم هو: ما هو ضرر تلك المشاهد على ابنتها؟
1) المشاهدالجنسية في تلك الأشرطة وحاجة المراهقة العاطفية المرحلية
إن تلك الأفلام تعكس مشاهد جنسية شاذة تهتم بالإثارة الجنسية التسويقية التي تعود بالربح الوفير علىمنتجيها. المعلومات التي تكتسبها المراهقة من خلال تلك الأفلام تعتمد على المبالغة والشذوذ. أفلام الجنس هدفها الترويج وكسب الربح المادي السريع. الرومانسية الطبيعيةوالواقعية التي تحتاجها المراهقة في تلك الفترة لا بد لأن تفتقدها في تلك المشاهدالجنسية الشاذة.
إن الاثارة العاطفية التي تمر بها المراهقة في تلك المرحلةتحتاج لتنفيس صحّي وطبيعي. الأفلام العاطفية المبنية على حبكة رومانسية طبيعيةوعادية بين الجنسين تساعد المراهقة على تفريغ نار عاطفتها المرحليةالمتأججة.
2) نموذج الأب يعطي المراهقة شرعية الشهوة الشاذة
من طبيعةالمراهق أن يمر بحالات عاطفية مثيرة وغير متوازنة. يلاحظ عليه أنواع سلوك انفعاليةمتناقضة. هو أحيانا يعكس سلوكا وديعا لطيفا وفي أحيان كثيرة أخرى يدخل بحالةانفعالية عصبية وعنيفة. يثور ويبكي لأتفه الأسباب وفي آن واحد يخلد لحالة منالسكينة والهدوء. توازنه العاطفي يحتاج لكثير من الصبر والتفهم التربوي المتوازنإلى أن يعبر تلك المرحلة بسلام وأمان.
لا شك بأن تلك الأفلام تساعده علىاستمرار تهيّجه العاطفي وانفعالاته السلبية.
إننا نعلم يقينا بأن الأبوين هماالنموذج التربوي الأول. إن الطفل يكتسب أنواع سلوكه، تصرفاته، لغة تعامله، حركاته،علاقاته الاجتماعية... من خلال تقليد النموذجين التربويين الأولين (الأبوين). فالمراهقة التي ترى أباها يرغب بمشاهدة تلك الأفلام ويتمتع بمشاهدها أثناء ساعاتسهراته لا بد لأن يدفعها للاهتمام بها.
3) هل التأثير التربوي السلبي كبير وخطير؟
ضرر أفلام العنف الرائجة في هذا العصر على الأطفال والمراهقين لا شككبيرة وخطيرة. إن أفلام الجنس هي من الأصناف عنيفة الإثارة الجنسية التي تسيءلتنشئة شخصية المراهق.
ضرر تأثير الانحراف الجنسي على المراهقة يكمن في الوسيط التربوي الأول (الأب) الذي له كبير أهمية في التأثير المباشر على حياة المراهقة وشخصيتها. معاييره التربوية المزدوجة تدخل المراهقة في حالة من التخبط. صورة الأبالمحافظ تهتز كلية حين تراه ابنته المراهقة يتمتع ليليا بمشاهد أفلام تتناقض مع مايحاول إثباته في ساعات النهار. هذا الأب يعكس قيما تربوية خطيرة.
كلنا يعلم بأنوسائل الإعلام المرئية هي أيضا وسيط تربوي مؤثر يجذب المراهق ويشد انتباهه خاصةلشدة إثارته. من المؤكد بأن المنتوج الإعلامي التجاري يبتعد عن قيم المسؤوليةالتربوية الراقية والطبيعية.
4) هل للأم دور في مثل تلك الحالة؟
الأمتحتاج لنقطة انطلاق تربوية كي تباشر بخطوة أولية قبل أن يفوتها الوقت. هناك صعوبةكبيرة في فتح موضوع حوار كهذا بين أم وابنتها إذا لم تعتادا الصراحة والصدق. منالمهم تجربة الدخول مع المراهقة بحديث هدفه التعرف على مضمون ما اختزنته من مشاهد. تباشر الأم بفاتحة صادقة ومطمئنة مثل: (كم أحبك وأحترمك يا...) تصمت قليلا ثم تتابع: ( لقد صدف والتقينا البارحة عند باب الحمام...) تصمت ثانية لبعض من الوقت ثم تتابع: ( أود أن نحكي بموضوع تلك الأشرطة، هل لديك مانع؟) انتظار قبولها التعاونهنا ضروري. من الجائز مثلا أن تصمت، تبدي حركة تهكم، ممانعة، إطراق...ألخ. كل ردفعل جسماني أو كلامي للابنة المراهقة هو عبارة عن موقف. على الأم احترام مشاعرالفتاة المراهقة الآنية وتعمل بحسبها. التسرع لنيل الهدف الأول ألا وهو المعرفةالفورية غير مجدٍ. يمكن تأجيل التفاهم إلى أن تصبح المراهقة جاهزة للتحاور. التأنيوالتأجيل لهما كبير أهمية في الوصول لنقطة بداية إيجابية بين الأم والمراهقة.
5) هل يمكن للأم تحويل المعرفة السلبية لمعلومات إيجابية صادقة وصريحة؟
لا شك بأن الأسلوب يحتاج لكثير من التأني والصبر. هدفه تغيير الصورة التياكتسبتها المراهقة عن العنف الجنسي ومسألة الممارسة الجنسية الشاذة. المحادثة تحتاجلكثير من الصراحة والصدق. طالما تعرفت المراهقة على تلك المشاهد لا بد للأم من أنتبدأ بالتأثير عليها في مسألة الجانب العاطفي الراقي والطبيعي. لا مانع من أن تجلسمعها لتشاهدا معا فيلما رومانسيا يحكي قصة حب عاطفية جميلة. تتمتعان معا بأحداثهاوتقارنان بينها وبين تلك الأشرطة التي انكشفت لها آنفا. التعليقات الموضوعية الآمنةوغير المتطرفة تعطي المراهقة فرصة لتنقية معلوماتها، تصنيفها، رؤية مغايرة لما عرفتوذلك للتوصل لوعي عاطفي داخلي ذاتي.
6) ما هو موقف الأم من سؤال المراهقةالمحرج: "لماذا يرغب أبي المحافظ بتلك الأفلام"؟
لا بد لأن يخطر ببال المراهقةسؤال كهذا. لو وصلت درجة المصارحة بين الأم وابنتها للنجاح والتكامل لما ترددتْالمراهقة من طرح مثل هذا السؤال. الأم اللبقة والواثقة من توجهها التربوي الإيجابييمكنها أن تتقبّل وتتحمل مسؤولية تعبير المراهقة عن رأيها بالموضوع. استماع الأمالمتفهم للمراهقة يعطيها الشرعية الكاملة للتداول بالمسألة بصراحة وصدق. من المهمأن تبتعد الأم عن تصحيح أو تشكيك المراهقة باستنتاجاتها لكي تأمن جانبها. توجه الأمالناقد أو اعتراضها يمنع المراهقة من متابعة المكاشفة الصادقة والصريحة. لا للوعظأو إصدار تعليمات. نعم لتقبل النقد وحتى اللوم من طرف المراهقة.
نهجالتحاور يعطي المراهقة الشرعية الكاملة لإبداء الرأي الحر وطرح اقتراحات للتغيير. مشاركة المراهقة أفكارها ومشاعرها يكسبها الثقة، الشعور بالاطمنان والأمان مع تلكالأم الإيجابية الواعية للمخاطر المرحلية.
لا مانع من أن تنهي الحديث معها بخاتمة مثل: " كم أود أن نتابع التواصل والمصارحة. كم استفدت من أفكارك، إنني أتعلممنك الكثير. أنت فتاة واعية وأنا أثق بك وباستنتاجاتك".